الأقسام

ضجيج النعم

متى كانت هي المرة الأخيرة التي بتّ طاوياً لا تجد في ثلاجتك -الحديثة- طعاماً تسكت به ضجيج الجوع في أحشائك؟

أو أدخلت يدك في جبيك -وأنت تعلم أنه خاو- تتلمس فيه ورقة نقدية تُخلق فيه من العدم لتمسح بها الدموع عن وجنتي طفليك الصغيرين؟

وهل جربت ذات مرة -ولو على سبيل الترف والرفاهية- أن تذهب للمشفى طالباً الدواء ذو اللون الأحمر القاتم فيخبرك الصيدلي المحترم بثمنه لتحصي ما تملكه من المال بين أصوات تأفف الطابور الطويل من خلفك لتفي بثمن تلك القارورة الصغيرة علّك تسكّن بها وجع والدتك ولو لبرهة يسيرة من الزمن ريثما تجد طبيباً يعالجها -محتسباً الأجر من الله- ولا تكاد تجد!

وهل طُردت يوماً أو نهرت أو عوتبت بصوت عال بين من تعرف ومن لا تعرف فخرجت مسرعآً تغطي صفحة وجهك حياء بوشاح مهترئ عتيق لأنك طلبت المساعدة ممن ظننت فيه مروءة ونجدة فكشف بسوأته حاجتك وضنة الزمان فيك وأثرته عليك؟

لربما جرّبت الأرق وأرهقك وأزعجك فأخبرك الطبيب بتجنب الأكل قبل النوم وترك السهر على هاتفك الجميل ذي الشاشة البراقة، لكن هل جربت يوماً ما الأرق لأن مالك البيت قد حذّرك بأن الشرطة ستخرجك صبيحة الغد إن لم تدفع أجرة المسكن البالي العتيق؟

وتغضب من زحام الطريق يلمّ بك كل يوم، وتشتم ابنك الصغير لأن رئيسك في العمل قد عاتبك بين زملائك، وتدخل إلى بيتك مكروباً مهموماً لأنك لا تملك مالاً تسافر به هذه السنة مع عائلتك إلى أرياف دولة مجاورة، وذات ليلة خرجت ساخطاً لأن زوجتك قد أيقظتك من نومك لحاجة ابنتك الرضيعة لبعض طعامها من إحدى الحوانيت البعيدة التي تفتح أبوباها حتى وقت متأخر من الليل!

أى ضجيج من النعم أنت فيه حتى أنساك صوت الفقر، وأنة الوجع، وصرخة الحاجة، فبتّ غافلاً في سهوك، ذاهلاً في طيشك، تبصر ولا ترى، وتسمع ولا تعي، فتسخط ولا تحمد، وتشكو ولا تشكر؟

للمشاركة:


تعليقات



للإشتراك في النشرة البريدية 📩