الأقسام

متأخر على عادته


لا  شيء يا صديقي، لوحُ رخام، قطعة فيسفاء مكسورة، بضعُ أصوات خافتة تتردد هنا وهناك، ثمالةٌ لا تنتهي، وشموع ذابلة تحرق نفسها ولا تضيء المكان لأحد أبداً.
أشياء كثيرة متناثرة حولنا، كؤوس لم يمتلئ نصفها، عيون باهتة، أحلام زائفة، مشاعر لاهبة، ودموع لا تعرف طريقها.
لم تكن مشاعر الوداع يوماً ما مشاعر عاديّة أبداً، شريطٌ من الذكريات الحافل، مشاهد تتكرر ولا تختفي، أشباح نعرفها ولا ننكرها، شخوص تضيء الطريق، وأحباب كانوا يوماً ما كل ما ندركه من حياتنا.
كثيرة هي تلك الآلام التي نمرّ بها، بعضها يشفى، وبعضها يختفي، وبعضها يُنسى، وبعضها عميقّ كـعمق فقدك.
ما كنت أعلم أن النّوى قاس لهذا الحدّ، كثيراً ما دبّج في هذا الأدباء، واستهلت به مطالع الشعراء، وبكى على أطلاله الأوفياء، لكنّني للتو شعرت بقسوته، وتجرعت من حسرته، فبعض الآلام لها سكرة لا نفيق من هولها إلا بعد حين، وقد لا نفيق.
صديقي العزيز، وداعاً لا وداع بعده، قد جاء متأخراً -على عادته- لكنه وصل.
وقبلة على روحك الطاهرة لا تسفّيها رياح السنين، ولا تعفّيها مطايا العمر.
ونظرة مشدوهة لاهثة تطوف حول خيالك الباسم كل ليلة.
خيالك عندما كنت تلتفت مبتسماً تحث خطى الرحيل.
ذلك هو آخر ما تبقى لي منك، فهل بقي منك لي شيء؟

للمشاركة:


تعليقات



للإشتراك في النشرة البريدية 📩